كتب : د. محمد سعد نائب رئيس اتحاد الجامعات الدولي للشؤون الماليزية. نحيا الحياة لا بالأنفاس التي تتردّد في صدورنا فحسب، بل بما نصنعه من أثر، وبما نتركه من بصمات، وبما نزرعه من بذور الغد في أرض اليوم. نحيا حين نأمن على قوت يومنا، وحين نشعر بالكرامة في عملنا، وحين يكون لنا في الغد نصيب من الطمأنينة والأمل.الحياة ليست مجرد مرور الأيام، بل هي توازن دقيق بين القلب والعقل،والروح , والجسد بين القدرات والاحتياجات بين الحقوق والواجبات بين الواقع والأمل بين الأمس بتجاربه ودروسه والغد بأحلامه وطموحه بين الرغبة في الكفاف والطموح إلى الكفاية، بين أن نُطعم أبناءنا خبزًا، وأن نترك لهم وطنًا عامرًا بالفرص.لكن… كيف يمكن لنا أن نعيش هذه الحياة بكرامة؟ كيف نضمن أن لا تبتلعنا الفوضى الاقتصادية، ولا تجرفنا الأزمات، ولا نحيا أسرى الحاجة؟ هنا يظهر الاقتصاد، ليس كمجرد علمٍ مُعقّد أو جداول وأرقام، بل كأداة للبقاء، وسلاح للنهضة، ومفتاح للحياة التي نحلم بها.الاقتصاد كأداة للنهضة:ما هو الاقتصاد؟ ولماذا يجب أن نهتم به؟عندما يسمع كثير من الناس كلمة اقتصاد، يخطر ببالهم الأرقام المعقدة، معدلات النمو، ميزانيات الدول، أو تقارير البنوك المركزية. لكن الحقيقة أن الاقتصاد ليس علمًا للنخبة فقط، بل هو لغة حياتنا اليومية:من سعر رغيف الخبز، إلى وظيفة الشاب، مرورًا بقدرة الأسرة على الادخار، وانتهاءً بقوة الدولة في مواجهة الأزمات.فالاقتصاد إذن هو؟فن إدارة الموارد النادرة لتلبية حاجات غير محدودة.●عندما تُقرر الأسرة كيف توزّع دخلها بين الطعام والتعليم والسكن، فهي تمارس الاقتصاد.●عندما تحدد الدولة أين تضع ميزانية الصحة وأين تستثمر في الصناعة، فهذا اقتصاد.●عندما يبتكر شاب مشروعًا صغيرًا ويوظف آخرين، فهو يضيف قيمة للاقتصاد.●إذن، الاقتصاد ليس مجرد “أموال”، بل هو منظومة اتخاذ قرارات:●كيف ننتج؟ ماذا ننتج؟ لمن ننتج؟ وكيف نوزع العوائد؟لماذا نهتم بالاقتصاد؟حياتنا اليومية مرتبطة به: ارتفاع الأسعار أو انخفاضها يؤثر مباشرة على قوت يومنا.فرص العمل: قوة الاقتصاد تعني وظائف أكثر، وضعف الاقتصاد يعني بطالة أوسع.النهضة الحضارية: لا توجد أمة نهضت في التاريخ من غير قاعدة اقتصادية متينة، من الصين الحديثة إلى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.الاستقلال والسيادة: الدولة التي تستورد غذاءها وسلاحها ودواءها بلا إنتاج داخلي، تبقى رهينة لغيرها.الرفاهية والعدالة: الاقتصاد القوي لا يعني تراكم الثروة فقط، بل حسن توزيعها بما يحقق العدالة الاجتماعية ويضمن الكرامة الإنسانية. فدولة فلندا مثلا التي تعتبر الأولى عالميا من حيث التعليم وجودة الحياة ,سنغافورة التي كانت منطقة للمستنقعات والأحراش تحولت لمصاف الدول الاولى اقتصاديا والأفضل في جودة الحياة , سلطنة بروناي والتي مازالت لليوم توزع الخبز والحليب والسكر والزيت للشعب بل والمسكن فلا يوجد فرد أو أسرة في سلطنة بروناي لا يتمتع بسكن مناسب وعلاج مكفول على نفقة الدولة بالكامل وتعليم مجاني حتى كبار السن نالهم من العطاء الوطني أن تتكفل الدولة بنفقات الحج سفرا واقانة وتأدية المشاعر. في نفس الوقت الذي ربما تساوت نيجيريا مع بروناي في امتلاك كميات كبيرة من النفط والغاز لكن بسبب الحياة الاقتصادية الفاشلة والتعيسة وعدم توفر الحد الأدنى من العدالة في توزيع الثروة والمنفعة تعتبر نيجيريا من أكبر دول العالم امتلاكا للنفط والغاز وأكثر شعوب العالم فقرا واحتياجا ليس بسبب قلة الموارد بل بسبب العبث الاقتصادي والظلم الاجتماعي والخلط بين النزوات السياسية والأولويات الحياتية للدولة والمواطنين.الاقتصاد والنهضة: علاقة لا تنفصم.ابن خلدون قال قبل قرون: “الاقتصاد أساس العمران، والعمران أساس الدولة”. واليوم نرى بأعيننا أن من يملك قوة اقتصادية، يملك الكلمة الأعلى سياسيًا وعلميًا وثقافيًا.شرق وغرب بنظرك وراقب بنفسك وانظر حولك لترى بعين اليقين أن الثروات والموارد ليست مشكلة الدول والشعوب إنما تكمن المشكلة في الأمية الاقتصادية المنتشرة والتي خيمت على الدول العربية والإسلامية دون غيرها رغم امتلاكنا لأقوى أدوات النماء والنجاح والقوة الإقتصادية متمثلة في نظامنا المالي والاقتصادي الإسلامي الفريد والذي أخذت به أو ببعضه الكثير من دول العالم الأول فكان لها السبق والقوة والسيطرةلهذا، فإن الاقتصاد ليس مجرد أداة تقنية، بل هو أداة نهضة حضارية. الخلاصةالاقتصاد هو مرآة حياتنا، وهو ليس بعيدًا عن المواطن العادي كما يُظن. الاهتمام بالاقتصاد يعني الاهتمام بكرامتنا، بسيادتنا، وبمستقبل أطفالنا. وإذا أردنا أن ننهض، فلا بد أن نفكر كيف نبني اقتصادًا قويًا منتجًا، لا اقتصادًا استهلاكيًا هشًا.