بقلم : الدكتور حسين التميمي
تمثّل العفّة أحد أهم المفاهيم الأخلاقية في البناء الإنساني، وهي لا تختصّ بالمرأة كما يظنّ البعض، بل هي مبدأ شامل للإنسان المؤمن رجلاً كان أو امرأة، وقد جعلها الإسلام من أسمى درجات الكمال الخلقي للرجل لأنها تُعبّر عن انتصاره على شهواته وغرائزه، وتحكيمه للعقل والإيمان على الهوى. قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 9-10]، وهذه الآية تُشير إلى أن تزكية النفس، ومنها ضبط الشهوة، سبيل الفلاح والنجاح.
والعفّة عند الرجال ليست مجرّد امتناعٍ عن الحرام، بل هي حالة وعي روحي وأخلاقي تُنتج سلوكاً منضبطاً يراعي كرامة الذات والآخر، وهي صورة من صور الرجولة الحقيقية التي تنبثق من مخافة الله، وقد قال أبو جعفر (عليه السلام): (إن أفضل العبادة عفة البطن والفرج) الكافي:2/79، وهي زينةٌ لأنها تحفظ للرجل هيبته في المجتمع وتجعله محطّ احترام الناس وثقتهم.
وفي عصرٍ تداخلت فيه الوسائل الرقمية مع الحياة اليومية، أصبحت العفة امتحاناً يومياً للرجال في فضاءات التواصل والإعلام، حيث يُروَّج للتساهل في القيم وتُكسر الحدود الأخلاقية تحت شعارات الحرية والانفتاح. وهنا تتجلّى العفّة كقوة داخلية تصون البصيرة من الانزلاق، وتحفظ التوازن النفسي والاجتماعي، وتمنح الرجل هوية نقيّة في عالمٍ متقلّب.
وقد أكّد النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) هذا المعنى بقوله: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» المستدرك: 4/357. فالعفّة ضمانٌ للكرامة في الدنيا وللجنة في الآخرة، وهي مقياس الثبات في مواجهة مغريات العصر، ودليل على اكتمال الإيمان كما جاء عنه (ص): « ثلاث أخافهن على أمتي من بعدي : الضلالة بعد المعرفة ومضلات الفتن وشهوة البطن والفرج . » (الكافي، 2/ 79).
إنّ عفّة الرجال اليوم مشروع وعيٍ قيميّ ينبغي أن يُعاد تأصيله في الثقافة والإعلام والتربية الدينية، لتُبنى شخصية الرجل المؤمن على مبدأ الضبط الأخلاقي لا على الانفعال الغريزي، وبذلك يتحقق التوازن بين الطهارة الداخلية والرجولة الفاعلة التي تُصلح المجتمع وتُصان بها الأسرة.











