الكاتب والباحث الشيخ حسين التميمي. وفي زمن يتسارع فيه التغيير ويعصف بالإنسان ضغوطات الحياة والتحديات اليومية، أصبح من السهل أن نلاحظ كيف تراجعت الأخلاق في العديد من المجتمعات. الهجران ليس فقط في العلاقات الإنسانية بل أيضًا في المبادئ والقيم التي كانت تشكل الأساس الذي يقف عليه المجتمع. في ظل التطور السريع والتقنيات الحديثة التي جلبت معها تسهيلات كبيرة، نجد أن الناس قد ابتعدوا عن الجوهر الإنساني الحقيقي الذي يتمثل في الأخلاق. والهجران الأخلاقي لا يتوقف عند حدود الأفعال السلبية التي قد يقوم بها الأفراد تجاه بعضهم البعض، بل يتعدى ذلك إلى التغييرات الثقافية التي أصابت نظرتنا للأشياء. فمع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح لدينا مساحة واسعة للتفاعل والتعبير عن آرائنا، ولكن في كثير من الأحيان، يتم استخدام هذه المساحات لنشر الكراهية والتحريض على العنف أو التسلط على الآخرين. وما يزيد الأمر تعقيدًا هو أن الهجران الأخلاقي لا يكون دائمًا بوجود أفعال صريحة ومباشرة، بل أحيانًا يظهر في شكل غفلة، حيث يتجاهل الناس المسؤولية الأخلاقية تجاه من حولهم. فلم يعد البعض يهتم بالصدق أو الأمانة أو حتى الاحترام المتبادل في التعاملات اليومية، بل أصبحت المصالح الشخصية تسيطر على سلوكيات الأفراد. وفي الوقت نفسه، تساهم العوامل الاقتصادية والاجتماعية في زيادة هذا الهجران، فمع تزايد المشاغل الحياتية، أصبح الإنسان يركز على ذاته أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد لديه وقت للتفكير في أهمية بناء علاقات قائمة على الاحترام والأخلاق. هذا الانفصال عن الأخلاق يجعل الفرد والمجتمع في حالة من الضياع، حيث لا توجد معايير واضحة للفصل بين ما هو صحيح وما هو خطأ. ولكن بالرغم من هذه الظواهر، يبقى الأمل في العودة إلى الأخلاق من خلال نشر الوعي والتربية السليمة. يجب أن نعيد بناء العلاقات الإنسانية على أسس من الاحترام المتبادل والصراحة والصدق. إن إعادة إحياء الأخلاق تبدأ من كل فرد، من خلال تجسيد القيم الإنسانية النبيلة في سلوكياته اليومية، والتي ستنعكس على المجتمع بشكل عام. ولذا لا يمكن أن يكون هناك مجتمع سليم ومستقر دون أخلاق. فإذا غابت الأخلاق، غابت معها جميع القيم التي يمكن أن ترفع المجتمع وتنقله إلى مستوى أعلى. لذلك، يجب أن نعمل جميعًا على إعادة إحياء هذه الأخلاق في حياتنا اليومية لنستطيع بناء عالم أفضل وأكثر إنسانية.