البرلمان ركناً اساسياً في الأنظمة السياسية الديمقراطية في العراق

بقلم : د. محمد عبد الستار البغدادي

يعد البرلمان ركناً اساسياً في الأنظمة السياسية الديمقراطية فهي تجسيد فحوى المذهب الديمقراطي بأن الشعب مصدر السلطات، وان إرادته هي أصل السيادة ومصدرها في الدولة وهي لا توصف بالشرعية إلا إذا كانت منبعثة من إرادة الشعب.ويمارس البرلمان عدداً من الوظائف تؤثر عن طريقها في فاعلية أدائه وتتراوح في مجالها ونطاقها من دولة إلى أخرى، وذلك حسب الإطار الدستوري السائد وأسلوب توزيعه لاختصاصات السلطات وكذلك تبعاً لمدى التطور الديمقراطي وقوة الهيئة التشريعية ذاتها وقدرة أعضائها.

وعند الحديث عن اداء البرلمان العراقي بعد عام 2005 نجد ضعف الاداء التشريعي والرقابي والسياسي للبرلمان في العراق متمثلة بأعضاء مجلس النواب فراداً ومجتمعين، الا في حالات نادرة وذات تأثير محدود وهذا الضعف ناشئ من عدة أسباب دستورية، وقانونية، وسياسية تشكل بمجملها مكبلات ومعوقات أو منطقة فراغ في طريق تفعيل الاداء التشريعي والرقابي والسياسي لمجلس النواب، فان السلطة التشريعية وهي السلطة العليا من حيث الدستور، لم تأخذ دورها بصورة صحيحة في قيادة النظام السياسي العراقي ولم تمارس دورها بما يؤكد علويتها على باقي السلطات، لا بل نجد في أوقات معينة سيادة السلطة التنفيذية وعلويتها عليها بما يجعلها اداة طيعة بيد الأخيرة تنفذ ما تريده منها وما يخدم سياسة الحاكم التنفيذي.إن المراقب لتطورات الواقع السياسي في العراق بعد عام 2005، يستطيع أن يلاحظ أنه على الرغم من إن الدستور العراقي الدائم والنافذ تبنى النظام البرلماني كنظام حكم، مما يوحي بما لا يدع مجال للشك أن الحكم في العراق بات كما يفترض ان يكون قائماً على قاعدة حكم الأغلبية السياسية التي تحصل أكبر عدد من المقاعد في البرلمان سواء كانت حزباً أو ائتلاف يضم مجموعة من الاحزاب، وهي التي تشكل الحكومة وتنتخب رئيس الجمهورية الا ان القاعدة التي بات معمول بها هي اعتماد مبدأ (المحاصصة الطائفية)، في توزيع المناصب والأدوار، وعلى الرغم من أن الدستور لم يشر صراحتاً الى هذه الاجراءات ولم ينص عليها قانونا، إلا أنها باتت عرفاً ملزماً في تشكيل الحكومات التي تعاقبت على السلطة في العراق بعد عام 2003، وهذا بدوره أدى الى عدد من الإشكاليات منها: أدت الى عدم الاستقرار السياسي، كان من أبرزها خلق برلمان عاجز عن أداء مهامه الأساس والمتمثلة بالتشريع والرقابة مع إنتشار الفساد الإداري والمالي، وغياب المعارضة السياسية، وأزمة عدم الثقة بين الكتل البرلمانية،وازمة تعطيل القرار السياسي واستقلاليته. ومن ابرز المعوقات التي تحول دون فاعلية البرلمان العراقي هي:1. عدم تشكيل مجلس الاتحاد الذي هو رديف لمجلس النواب، إذ تم النص عليه في الدستور في المادة (65)، إذ أنه لا يمكن للبرلمان ان يمارس دوره بشكل فاعل وحقيقي وفيه نقص في أحد مجلسيه، وأن عدم وجود مجلس الاتحاد يكون تناقض كبير بين ما نص عليه الدستور من وجود هذا المجلس وبين الواقع العملي في عدم وجوده.2. عدم تشريع القوانين التي تتعلق بالمواد والفقرات التي نص عليها الدستور والتي أكد عليها بأن تشرع بقانون، إذ أن هناك (55) مادة دستورية لم تشرع قوانين خاصة بها أو تم تشريع عدد قليل منها، واهم هذه القوانين التي لم تشرع هي (قانون مجلس الاتحاد).3. عدم تشريع قوانين ذات إجراءات تنفيذية سريعة وفعالة تسهم بشكل كبير بتفعيل الاصلاحات السياسية والاصلاحات الاقتصادية والاصلاحات الاجتماعية الثقافية، لان عملية الاصلاح تحتاج الى قوانين فعالة وسريعة لكي يتسنى للجهات التنفيذية اتمامها بأسرع وقت، ولكي نضفي عليها صفة الشرعية لأنها مشاريع تتسم بكونها مشاريع النفع العام.4. أن العلة الأساس التي كانت تقف ولا زالت وراء الضعف الذي أصاب أداء مجلس النواب يكمن في الخلل الذي أصاب بنيته، وهذا الخلل يقف ورآه أسباب متعددة لعل في مقدمتها تكريس مبدأ المحاصصة التي تجسدت أن الكتل المتمثلة في مجلس النواب موجودة نفسها في الحكومة، ومن هنا لم يجرؤا أي عضو أو كتلة نيابية على تحريك الدور الرقابي لخشيتها من أقدام الأعضاء أو الكتل الأخرى للقيام بالدور ذاته ضدها، ولاسيما أن معظم هؤلاء أصبحت غايتهم الأساس حماية مصالحهم الخاصة أو الحزبية الضيقة لذا نتج عن هذا الأمر حالة من الاتكالية والهروب من المسؤولية بل إلقاء المسؤولية كلها على الآخرين.ومن هنا، وبعد تشخيص أهم المعوقات، نرى ان الفرصة لازالت موجودة لإحداث التغيير، من خلال:1. الالتزام بمبـادئ الدستور، والعمـل علـى كفالـة احترامه، وتقديـر الضمانات التــي تعــزز هــذا الاحترام، ووضـع الضمانـات القانونيـة والواقعيـة لاحترام القواعد الدستورية فـي العراق .2.على الاحزاب السياسية في العراق إعادة النظر وتقويم تجربتها منذ 2005، وان تعمل على الحصول على شرعية الاداء الى جانب الشرعية الانتخابية، وان تبتعد عن الاستحواذ على السلطة بالعنف وانتهاك الحريات وتتقبل فكرة وجودها خارج السلطة وفقا لأليات النظام البرلماني في التداول السلمي للسلطة، وان تؤمن بحق حزب الأغلبية في تشكيل الحكومة بعيداً عن التوافق السياسي.3. ان تحقيق القوات الأمنية الانتصار على تنظيم داعشالارهابي الذي سعى الى تدمير الدولة العراقية من خلال نشر فكره المتطرف، يجب ان يدفع البرلمان الى تبني سياسات قائمة على معالجة كل مواطن الضعف والخلل في مؤسسات الدولة العراقية الناشئة من السنوات الماضية بهدف الوصول الى بناء دولة مؤسسات تعتمد الكفاءة والمهنية والولاء للوطن، وتبتعد عن أي توتر للعلاقة بين السلطة السياسية الحاكمة والشعب.4. على رؤساء الكتل والأحزاب السياسية مغادرة القوالب التي وضعوا انفسهم فيها والابتعاد عن المصالح الحزبية باتجاه تحقيق المصلحة العامة، واعادة النظر بأدائها السياسي والعمل على بناء مؤسسات الدولة بشكل مؤسسي ودستوري تُراعى فيها كل الثوابت الوطنية من خلال الاستفادة من الدعوات الإصلاحية التي نادى بها الشعب العراقي، الى جانب الدعوات الأخرى من المرجعية الدينية او الكوادر التعليمية في الجامعات، ومؤسسات المجتمع المدني، والاستفادة من تجارب الدول في بناء دولها.5. الاتفاق بين ابرز مكونات الكتل السياسية على طبيعة المشاريع التي يمكن ان تكون لها الاولوية في التشريع العراقي وترك تعارض الارادات واختلاف المصالح التي ينطلقون منها في رسم ماهية الاطر العامة لمثل تلك المشاريع.6. عدم تغيب اعضاء البرلمان، والجدية السلوكية ابان مناقشة بعض القضايا الحساسة، مراجعة النواب الاجبارية على ما يتضمنه النظام الداخلي للمجلس من مواد، مما ينعكس ايجابياً على دائهم وفاعليتهم.7. وجوب إجراء تعديل على الآلية التشريعية المنصوص عليها في النظام الداخلي لمجلس النواب، الأمر الذي يؤدي الى اتخاذ زمام مبادرة تقديم مشروعات القوانين والعمل على إقرارها.

admin@gmail.com

Writer & Blogger

المقالة السابقة
المقالة التالية

You May Also Like

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

About Company

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit. Ut elit tellus, luctus nec ullamcorper mattis, pulvinar dapibus leo.

Latest News

  • All Posts
  • التحقيقات
  • الدراسات والبحوث
  • الشؤون الاجتماعية
  • الشؤون السياسية
  • الكتب
  • المجلة
  • المقالات
  • النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي
  • الوثائقيات
  • تاريخ الديوان الملكي
  • رياضة
  • غير معرف
  • فن

Newsletter

أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

Unlock Premium Content!

Sign up for our
premium membership today.

Categories

Tags

    بعض الاقسام

    روابط مهمة

    الرئيسية

    المقالات

    فريق العمل

    تواصل معنا

    العنوان :

    حي سيد الشهداء ( المدينة المنورة )

    كل الحقوق محفوظة لشركة  ( Digit fans ) 2025