يُطرح أحيانًا سؤال: لماذا بعث اللهُ الأنبياء في منطقة الشرق الأوسط دون غيرها من بقاع العالم؟ ويُروَّج لهذا السؤال على أنه شبهة أو دليل على محدودية الرسالات السماوية، أو يُوظَّف ضمن خطاب تشكيكي بعدالة الرسالة الإلهية وشموليتها. لكن عند تأمل هذا السؤال علميًا وتاريخيًا ومنطقيًا، يتبيَّن أن جذوره ليست شبهة علمية بقدر ما هي سوء فهم لطبيعة الرسالات ووظيفة الأنبياء، بل قد تكون مبنية على جهل بجغرافيا النبوات وبُعدها العالمي.
أولًا: لم يُبعث جميع الأنبياء في الشرق الأوسط فحسب، بل هناك نصوص قرآنية وروايات نبوية تؤكد أن الله أرسل إلى كل أمة نذيرًا، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]، وقال أيضًا: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا} [النحل: 36]، وهذا يدل على أن الرسالات الإلهية لم تقتصر على منطقة واحدة، بل شملت البشرية بأجمعها، وإن كان ما وصلنا من أخبارهم محدودًا، كما قال تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء: 164].
ثانيًا: الحديث عن تركّز الأنبياء المعروفين في منطقة الشرق الأوسط لا يعني اقتصار الرسالات على هذه البقعة، بل يعكس الجغرافيا التي وصلنا منها تراث مكتوب ومُوثَّق، وهي المنطقة التي شكلت مهدًا للحضارات والتواصل والكتابة والتدوين، ما سهّل بقاء أخبار الأنبياء فيها أكثر من غيرها. ولو قُدِّر للتراث الديني في الصين أو الهند أو أفريقيا أن يُدوَّن بنفس القوة والارتباط النبوي، لربما عرفنا المزيد من الأنبياء المحليين فيها.
ثالثًا: إن الإسلام، وهو خاتم الرسالات، قد جاء عالميًا لا إقليميًا، ولم يدعُ الناس في الجزيرة العربية فقط، بل قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]، كما جاء في السيرة النبوية حين وجه رسالاته الى الملوك منها: «..عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ، وكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا..» تاريخ اليعقوبي: 2/77.
(.. فقال : يا محمد إلى العرب أرسلت أم إلى العجم أم إلينا ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إني رسول الله إلى الناس كافة ..) الاختصاص: 33.
إذًا فالسؤال ليس شبهة حقيقية، بل هو سؤال ناتج عن محدودية ما وصل إلينا من روايات تاريخية، وربما ضعف التدوين في حضارات أخرى. أما من جهة العقيدة، فإن عدل الله ورحمته اقتضيا إيصال الحُجّة إلى جميع الناس، سواء عُرفت أسماؤهم أو لم تُعرف، والقرآن أكد هذا المبدأ، مما يجعل السؤال لا يُعد شبهة بقدر ما هو فرصة لفهم أوسع لرسالة الأنبياء وشمولها للبشرية جميعًا.
الباحث والكاتب الشيخ حسين التميمي